الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الرأي الحر: بعـد 25 سنـة، «أخبـار الجمهورية» قد تختفي!

نشر في  01 أكتوبر 2014  (10:45)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

بعد 25 سنة، قد تختفي «أخبار الجمهورية»، وهذا ما كنت أعلنته في آخر عدد من صحيفتنا.. لقد ساهمت جريدتنا ـ نسبيّا ـ في طرح المشاكل ولم تكتب طيلة ربع قرن كلمة سلبيّة واحدة ضدّ أيّ معارض للحكم، كما لم تكتب كلمة واحدة لفائدة الطرابلسية والماطرية وعائلة بن علي عندما كانت أغلب الصحف ووسائل الإعلام منبطحة، وفضلا عن ذلك فقد كنّا الوحيدين الذين دعوا الى العفو التشريعي العام وقالوا كلمة خير في المعارضة وفي راضية النصراوي ونجيب الشابّي،  وندّدنا بالممارسات الجائرة ضدّ مؤسّسة بوعبدلي و«إيسيزي» في حين كان الإعلام أخرسا وخائفا، هذا علاوة على المواضيع الرّياضيّة الجريئة.. ورغم أنّ «أخبار الجمهورية» هي الأسبوعيّة الأولى أو الثانية من حيث المبيعات اليوم، فقد تجبرنا الظروف المادية على التوقّف والاكتفاء بالجمهورية الالكترونيّة لأنّ حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض رفضتا تنظيم الاشهار العمومي لاغراق الصحف المستقلّة أو المعارضة بل إعدامها، ولأنّ حكومة مهدي جمعة لم تحرّك ساكنا وهي تنتظر اقتراحات جمعية مديري الصّحف التي تركت المشاكل تتفاقم ولم تكن حازمة وضاغطة بجدية على رئاسة الحكومة لأنّ أقلية من أعضائها ليست لها الإرادة والكفاءة! وسأكشف يوما أسباب تخلّي عن رئاسة هذه الجمعيّة..
وللتذكير فإنّ كلّ الصحف المستقلّة مثل «المغرب» و«آخر خبر» و«التونسية» مهدّدة بالتوقف عن الصدور مثلنا سواء بعد أسابيع أو بعد أشهر قليلة.. ستنسحب الجرائد المستقلّة من السوق إذا لم توفّر لها الحكومة نصيبا من الاشهار العمومي في أقرب وقت ممكن، مع العلم أنّ موزّع الصحف في العاصمة وأحوازها مسعود الدعداع لم يجبر الباعة على إبقاء الأسبوعيات معروضة في الأكشاك أكثر من سويعات في الأسبوع ولم يتعامل مع الأوضاع الجديدة بأكثر حرفيّة، وهكذا ساهم في الكارثة الإعلاميّة التي خدمت مصالح الترويكا والمتشدّدين، مع عدم وعي رجال الأعمال بأهمّية هذا القطاع ومساندته!
ومهما يكن من أمر سأواصل الدّفاع عن الديمقراطيّة وإزعاج أعدائها بنشاطي السياسي!

وباحتجاب «أخبار الجمهورية» الورقيّة واضعاف التعدّدية الإعلاميّة التي أوقفت المشروع الفاشي، يطرح مشكل كبير وهو «تسريح» عدد من الصحفيين والإداريين والتقنيين، فما هو مصيرهم؟!  هم ليسوا بأرقام يا جبالي والعريض وجمعة ويا رجال الأعمال المرتبكين! هم مواطنون ساهمتم في الرّمي بهم في الشارع وأغلبهم متزوّجون ولهم أبناء وأعباء كم هي ثقيلة! فإذا كنتم أنتم يا جبالي والعريض وجمعة ضمّنتم مستقبلكم، فانّ العاملين في أخبار الجمهوريّة وفي صحف أخرى ينتظرهم مصير حالك بعد أن رفضتم تنظيم الاشهار العمومي  ولم تبدوا أيّ اهتمام بملفّ مصيري وحياتي بالنسبة إلى طائفة من التونسيين، كما تعاملتم بصدر رحب مع العناوين الفاسدة التي تكاثر عددها ومصادر تمويلها غريبة!
في ما يخصّ مروان مبروك فقد قدّم عبر «أورنج» اعلانات لا تغني ولا تسمن من جوع في حين قدّم لجريدة متطرّفة صفحة أسبوعيّة للمساهمة في «التعدّدية» الإعلامية بينما كان من واجبه ان يساند الجرائد المستقلّة وخاصّة «أخبار الجمهورية» التي عمرها 25 سنة كاملة، وتخدم مصالح تونس دون خوف من أيّ حزب أو من الترويكا! فهذه الأحزاب ستزول يوما ولن يبقى في تونس سوى أحرارها...
أمّا جمال مزابي صاحب شركة «صابرين» فهو رافض تماما نشر اعلاناته في «أخبار الجمهورية» رغم أنّنا من أحسن الأسبوعيّات.. فلماذا يا سي جمال هذا الموقف المضرّ بالديمقراطية رغم أنّ نشاط مؤسّستك في ازدهار متواصل؟!.. لقد كان بإمكانك مساندة كل الصحف دون استثناء وبذلك تساهم من موقعك في الحفاظ على شغل العاملين في هذا القطاع وتدعم الإعلام الحرّ!.. لكن.. رأس المال جبان وغير واع كما قال حمادي الجبالي!
وفي ما يخصّ تونيزيانا OOREDOO فإنّ هذه الشركة القطرية أضرّت بأخبار الجمهورية عندما لم تمنح اي اشهار لجريدتنا مطالبة مديرنا «بالحياد» اي عدم انتقاد أمير قطر الذي أهان المنصف المرزوقي، لكنّنا رفضنا لأنّنا نحبّ تونس وحدها ولن نرضخ للقطريين وسياستهم السلبية في العالم  العربي،  وانّنا لفخورون بموقفنا مرّة أخرى ونقول لهذه الشركة، انّ تونس أكبر منكم وأعظم منكم وأثقف منكم.ولأنّ لنا حضارة تمتدّ إلى 3000 سنة فلم ولن نبيع مبادئنا! وحتى لو توقّفنا مؤقّتا سنعود للتصدّي لمن يريد اركاع تونس.. كما أعبّر عن استغرابي من عدم مدّنا اعلانات بحجم محترم من قبل اتصالات تونس !
وفي المقابل لابدّ من كلمة حق في حق رجال أعمال آخرين، فللسيد حمادي بوصبيع أقول أنت رجل شجاع ووطني ومدافع شرس عن الديمقراطيّة والرياضة، ولن ننسى أبدا أنك لم تبخل يوما على أخبار الجمهورية  بالدعم، وستبقى في أذهاننا كرجل شجاع وممتاز لم يخش الترويكا او أيّا كان! فشكرا يا سي حمادي، انّك ـ بحقّ ـ مدرسة! كما يجب شكر السيّد منصف السلامي الذي قدّم مئات الملايين لمساندة «المغرب» وبعض الصّحف المستقلّة!
كما أشكر رجل الأعمال الذي أعلمني أنّه لن يتخلّى عن «أخبار  الجمهورية» وذلك بتغطية كل ديوننا مع احترامه لخطّها التحريري.. لن أذكر اسمك لأيّ كان لكنّي بعد التفكير والخوض في المسألة مع العائلة الإعلاميّة، أقول لك عذرا لن أقبل عرضك..

وقبل أن أختم، أشكر السيد حمادي ريزة الذي وفّر لنا الورق طيلة 25 سنة.. انّه رجل ديمقراطي وشجاع ومساند للإعلام الحرّ، كما أشكر عائلة بن يدر والسيد أحمد كرم من «أمان بنك» الذين ساندوا جريدتنا ـ نسبيا  ـ وكم كان بودّنا لو قدّموا لنا تسهيلات أكبر بما أنّنا نتعامل مع هذا البنك منذ 25 سنة وبالتالي وفرنا له مرابيح قيّمة، وكم كان التفاؤل جائزا لو كانت إعلاناتكم لنا كثيفة لدعم الإعلام الحرّ الذي يدافع عن المؤسّسات ويمنع أيضا ابتزازها من قبل السياسيين! إذ مائة ألف دينار من الاشهار سنويا ليست بالكثير على «أمان بنك»! فما هو موقفك أيتها المؤسّسة البنكية من تسريح20 صحفيا وتقنيا وإداريا بعد أن أوقفتم التسهيلات؟
قد يكون هذا العدد هو الأخير، وتثبّتوا من ذلك في الأسبوع المقبل، وإذا قدّر لجريدتنا المناضلة أن تختفي فستظلّ روحها المدافعة عن الحداثة والتسامح وحقوق الانسان في قلوب قرائها وفي ضمير من لم ينظّم الاشهار العمومي وأيضا في ذاكرة من لم يقدّم الاشهار الخاصّ خوفا من بطش السلطة او انتقاما من مواقفنا الموضوعيّة النّبيلة سياسيّة كانت أو رياضيّة.
مهما يكن من أمر، مازلنا نحاول المحافظة على «أخبار الجمهورية» وربما لن تحتجب.. وإذا كان رجال أعمال يريدون تقديم الإشهار فمرحبا بهم، وبذلك سيدافعون عن الإعلام الحرّ وتونس الديمقراطية..